قال مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان إنَّ موقِعَ رِئاسةِ الحكومة لا يَقِلُّ أهمِّيَّةً وَقَدْرَاً عَنْ أيِّ مَوقِعٍ رئاسيٍّ آخَرَ في لبنان، فاحتِرامُه واجب، ونحن حريصونَ على أنْ يبقَى هذا المَوقِعُ مُصَانًا، حِفاظاً على التَّوازُنِ بينَ مَواقِعِ الرئاساتِ الثلاث، والتَّصويبُ على رئيسِ حكومةِ تصريفِ الأعمال الدكتور حسان دياب أمرٌ مُستَهْجَن، وغريبٌ عن أُصولِ التَّعَامُلِ والتَّخَاطُبِ مَعَ رئاسةِ الحكومة.
وقال، اليوم، في خطبة الجمعة 27/08/2021 التي كانت هي الأولى من على منبر مسجد “البساتنة” في بيروت امس بحضور رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب والرئيس المكلف نجيب ميقاتي إنَّ الإصرارَ على هذا النَّهجِ مِنْ قِبَلِ البَعضِ في السُّلطَةِ القضائيَّةِ – التي لا نَتَدَخَّلُ في عَمَلِها – يُسِيءُ إلى أصولِ مَفهومِ التَّعامُلِ مَعَ الرِّئاسةِ الثَّالثة، في قضيةِ انفِجارِ مرفأِ بيروت، فلتُرفعْ كلُّ الحَصَاناتِ بإصدارِ قانونٍ من المَجلسِ النيابي بهذا الخُصوص، ولتَأخُذ العدالةُ مَجْرَاها أصُولاً على الجميعِ بعيداً عن الانتقائية والاستنسابية والكَيدية.
أضاف: فإِنَّ مُنَاخَ الإحباطِ السَّائدِ في البَلد، سببُه عدَمُ تَشْكِيلِ حُكومَةٍ ترعَى مَصالحَ النَّاسِ حَتَّى الآن، فالوقتُ الذي هو مِنْ عُمُرِ اللبنانيين، يُضَيَّعُ بينَ مُشَاوَرَاتٍ وَلِقَاءَاتٍ، فيهَا الكثيرُ مِنَ التَّعَنُّتِ والتَّصَلُّبِ ومُحَاوَلَةِ إلغاءِ الآخرِ، والوطَنُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، وهم لا يزالون يَبحثون عن مُكتسباتِهمُ التي لا قيمةَ لها إذا خَسِرْنا الوطن. علينا أن نترفَّعَ عَنِ التُّرَّهاتِ التي تُرافِقَ كُلَّ تكليف، كما تُرافِقُ تكليفَ الرئيس نجيب ميقاتي الذي جَاءَ بِناءً لِرَغبَةِ النُّوَّابِ الذين سَمَّوه ، وَبِتَزكِيَةٍ مِنْ رُؤساءِ الحُكومةِ السابقين، وَمُبارَكَةٍ مِنْ دارِ الفتوى، التي لا تُميِّزُ بينَ أبنائِها، بل هي ترجو الخيرَ للجميع، نحن في بلدِ التَّعايُشِ الإسلامِيِّ المسيحِيّ، نَرفُضُ أنْ نُميِّزَ بينَ لبنانِيٍّ وآخَر ومَا يُحكَى اليومَ عَنْ أنَّ المُسلِمَ يُسمِّي المسلم، والمَسِيحِيَّ يُسمِّي المَسِيحِيَّ في الحكومَةِ العتيدة، هوَ أمرٌ خَطيرٌ ومُفرِّق، ويَنبَغِي تَدَارُكُه، ولا نَرضَى أنْ تُساسَ الأُمورُ هكذا، وكأنَنَا نَعيشُ في جُزُرٍ دَاخِلَ جُزُر، لا في دَولةٍ واحدة، ومَعاييرُنا وطنِيَّةٌ بامتياز ، وليستْ مَعاييرَ طائفيَّة. فَلْنَتَرَفَّعْ عَنْ هذا المَنطِقِ الأعوج، وَلْنَنْظُرْ بِمِنظَارِ الحِكمَةِ التي تُؤَيِّدُ هذا المَنطِق، وإلا فَسَوفَ يُمَزَّقُ الوُطُنُ أكثَرَ مِمَّا هو مُمَزَّقٌ، خصوصاً وأنَّ شبابَه ومُثَقَّفِيه، أملَ المستقبل، يُهاجرون، فَمَهلاً يا شبابَ لبنان، وَطَنُكم بحاجةٍ إليكم.
وتابع: كلُّنا يَعلمُ مدى الإذلالِ الذي يُعانيهِ شَعْبُنا اليومَ، لِتأمينِ لقمةِ عيشِه ودوائهِ ومَحروقاتِه، فهو حتماً نتيجةُ سياساتِ الدَّولةِ الضعيفةِ والخاطئة، التي قصَّرت في أداءِ دورِها للقيامِ بما هو مَطْلُوب، ومعالجةِ مَا استجدَّ بالطُّرقِ العِلميَّةِ التي تَعتمِدُها دولٌ كنا قديماً نَسْبِقُها، فإذا هي اليومَ في مَصافِّ الدُّولِ المتقدِّمة.
وانتهى دريان إلى أن: التخبُّطُ السياسِيُّ والاجتماعِيُّ والمَعِيشِيُّ الذي نَعِيشُهُ مُؤلم، والترقيعُ لا ينفع، فَمَا جَرَى مِنَ انْفِجَارِ مَرفَأِ بيروت، وانفِجارِ صِهرِيجِ المازوتِ في عكَّار، والاشتباكاتُ المُتنَقِّلةُ في بعضِ المَناطِقِ اللبنانية، سَبَبُها هذا الترقيع، فَلْنُقْلِعْ عمَّا نحن فيه من تخبُّط وإلا فإنَّا ذاهبون فعلًا إلى الأسوأ وإلى الانهيارِ الشَّامِل.