إستهل العلّامة السيد علي فضل الله، خطبة صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، من لبنان: “الذي تزداد الأزمات فيه وتتفاقم يوما بعد يوم على كل الصعد من دون أن تلوح في الأفق أي بارقة أمل أو بصيص نور يطمئن معه اللبنانيون إلى مصيرهم حيث تستمر معاناتهم على الصعيدين المعيشي والحياتي، حتى باتوا غير قادرين على تأمين أبسط مقومات حياتهم على صعد الغذاء والكهرباء والدواء والاستشفاء وسبل التدفئة، بفعل تداعي قيمة العملة الوطنية وارتفاع الأسعار التي لم تعرف حدودا لها. فيما الحكومة المطلوب منها أن تعالج كل هذه الأزمات، وأن تنقذ إنسان البلد من معاناته، فإنها لا تجتمع بفعل الخلافات السياسية، فيما بين أركانها حول معالجة العديد من الملفات وآخرها ملف المرفأ”.
وتابع: “أما القوى السياسية التي يتعين عليها في هذه المرحلة أن توحد جهودها وأن تتعاون في ما بينها، لإنقاذ بلد يتداعى وبات إنسانه يهيم في بلاد الله الواسعة بحثا عن أي بلد يأويه ولو كلفه ذلك أن يموت غرقا أو بردا. فقد بدأت جولاتها وصولاتها لكسب الأصوات وتوسيع النفوذ أو تثبيته، وسلاحها في ذلك الخطاب العالي السقف والنبرة لشد العصب الطائفي أو المذهبي، من دون أن تأخذ في الاعتبار تداعيات خطابها أو مواقفها على صعيد ما قد يحدثه ذلك من تصدع وشرخ داخلي وتأزم اقتصادي، فيما العالم الخارجي الذي ينتظر مساعدته الكثيرون ويراهنون عليه، لم يعد يكترث كثيرا لتصاعد الأزمات في لبنان ويكتفي ببعض العواطف وإبداء القلق، ولن يمد يده للمساعدة التي ينتظرها اللبنانيون في هذه المرحلة، أما لأنه مشغول بملفاته الخاصة أو بملفات أخرى يرى لها الأولوية، أو أنه يريد لهذا البلد أن يكون على الصورة التي رسمها له، وهو إن ساعد لن يساعد إلا بالنزر اليسير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع اللبنانيين في ظل الواقع القائم”.
اضاف: “إننا أمام كل هذا، نعيد دعوة القوى السياسية إلى تحمل مسؤوليتها والقيام بالدور المطلوب منها والتفرغ لمعالجة أزمات البلد وأزمات إنسانه، بدلا من الاستمرار في المماحكات السياسية والصراعات الانتخابية، وأن يعوا أن اللبنانيين لن يعطوا قرارهم إلا لمن يرونه جادا، يعمل على أن ينتشلهم من الواقع الصعب الذي يعانون منه، ويجدونه مستعدا لأن يضحي من أجل وطنه، لا من يضحي بوطنه لحساباته الخاصة أو الفئوية. إننا نقولها لجميع الذين يتولون الواقع السياسي، إن الوقت ليس وقت صراعات ومماحكات ومناكفات وبيانات وبيانات مضادة، أجلوا خلافاتكم وصراعاتكم، فالبلد لم يعد يحتمل”.
وقال: “في الوقت نفسه، نعيد دعوة اللبنانيين إلى التوحد والتعاون في هذه المرحلة لتجاوزها بأقل قدر ممكن من التبعات والخسائر، والعمل معا للخروج مما يعانون منه، وألا يسمحوا للعابثين بالوحدة الداخلية أن يجدوا طريقا لهم، وأن يعوا أن القرار بأيديهم وهم قادرون على صنع التغيير وفتح باب الحلول، وأن عليهم ألا يستهينوا بأصواتهم وحضورهم في هذه المرحلة. أما على صعيد البطاقة التمويلية التي أعلن عن بدء التسجيل فيها، فإننا في الوقت الذي ننوه بهذه هذه الخطوة رغم أنها ليست بالعلاج الشافي، فإننا نريد لها أن تأخذ مسارها للتنفيذ وأن تزال العقبات التي لا تزال تقف أمامها، وألا تخضع لأي اعتبارات سياسية أو انتخابية، وأن يكون العامل الأساسي في الاختيار هو العنوان الذي لأجله كانت هذه البطاقة”.
وتابع: “أما على صعيد التدقيق الجنائي، فإننا ندعو إلى الجدية في التعامل مع هذا الملف، وإبقائه في إطاره الرقابي وألا يضيع في خضم الصراع السياسي، أو أن يتحول إلى أداة من أدوات الصراع بين الفرقاء السياسيين على هذا الصعيد، بقدر ما يكون أداة لمعرفة حقيقة ما كان يجري في دوائر المصرف المركزي وأين ذهبت أموال الناس ومن استغل موقعه السياسي أو غير السياسي لتهريب أمواله. ونبقى على صعد المحادثات التي تجري في فيينا بين إيران والدول خمسة زائد واحد. فإننا نأمل أن تأتي هذه المفاوضات بنتائج إيجابية تساهم في تعزيز السلام في المنطقة والعالم، وتخرج إيران من العقوبات الظالمة التي يعاني الشعب الإيراني من آثارها وتداعياتها، وأن يقتنع العالم أنه بالحوار تعالج المشاكل لا بفرض الشروط ولا بالعقوبات.
أما في فلسطين، فقد أحيينا الأسبوع الماضي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني والذي يتزامن مع القرار 181 القاضي بتقسيم فلسطين والذي اتخذته الجمعية العمومية للأمم المتحدة. إننا في هذه المناسبة، نجدد التزامنا بهذه القضية، وندعو إلى إبقائها حية لأنها قضية شعب مظلوم ومضطهد شرد من أرضه واغتصبت حقوقه، لأن رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني ستساهم في رفع المعاناة عن وقع هذه الأمة”.