الراعي: أولويتنا تثبيت كيان لبنان وأمنه القومي ليجري الاستحقاقات من دون مفاجآت

البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مفتتحا الشهر المريمي
0

رئس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس عيد سيدة لبنان وافتتاح الشهر المريمي في بازيليك سيدة لبنان- حريصا، عاونه فيه المطارنة انطوان نبيل العنداري، ميشال عون، بيتر كرم وانطوان شبير، الرئيس العام لجمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة الأب مارون مبارك، رئيس مزار سيدة لبنان الاب فادي تابت، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور رئيس الرابطة المارونية السفير الدكتور خليل كرم.

وبعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان: “أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها”، قال: “مع بداية الشهر المريمي نرفع أنظارنا وقلوبنا إلى أمنا مريم العذراء سيدة لبنان ومع اللبنانيين نبحث عن رجاء جديد تحمله إليهم الصلوات، وقد أصبحت أملهم الأساسي في غياب المبادرات السياسية وتنامي الانقسامات الوطنية وعجز الدولة. إن خطط التعافي ومشاريع الإصلاح تبقى عديمة الفائدة في أجواء يسودها الحقد العارم. ومفعول الانتخابات النيابية والرئاسية يظل محدود التأثير الإيجابي ما لم ترافقْها روح الوئام والمحبة.أي قضية أو أزمة تحل بالأحقاد؟ لقد كشفت هذه الأيام أن تأثير الأحقاد أسوأ من تأثير الانقسامات السياسية والعقائدية. بالمحبة نحل أي خلاف ولو كان عميقا، وبالحقد لا نحل أي خلاف ولو كان سطحيا. والخطورة أن الأحقاد تنتقل بالتبعية من القيادات إلى الجماهير العمياء، وتنتشر في العائلات والبيوت والقرى والمدن، زارعة جرثومة الكراهية ووباء الفتنة مما يعيق جميع الحلول الدستورية والاقتصادية. إنه لمخز أن يتبادل عدد من المرشحين والأحزاب والتيارات الأحقاد والشتائم عوض أن يتنافسوا حول برامج وطنية وإنقاذية؟ والمخزي أكثر، أن كل ذلك يجري بينما شعبنا يغوص أكثر فأكثر في الفقر والجوع وتعوزه مستلزمات الحياة الإنسانية الكريمة”.

وقال: “لا تزال صور كارثة غرق الزورق قبالة طرابلس بادية أمام أعيننا، ولا يزال الألم يحز في قلوبنا ونحن نرى موت الأطفال والشباب والأمهات والآباء، وقد صلينا لراحة نفوس الضحايا وعزاء أهاليهم. لا يجوز أن تمر هذه الفاجعة كأنها حدث عابر، وتضيع في المزايدات ويحاول البعض طي صفحتها كما يحاولون طي صفحة تفجير مرفأ بيروت وانفجار قرية التليْل في عكار وغيرها. لذلك، ندعو الدولة إلى إجراء تحقيق شفاف وحيادي لتحديد المسؤوليات ولوضع حد للتساؤلات والتشكيك، خصوصا أننا عشية انتخابات نيابية. إننا مع ذوي النيات الحسنة نحرص على أن تجري الإنتخابات في جو أمني وديموقراطي. إننا أمام مرحلة مليئة بالأحداث لبنانيا وإقليميا ودوليا: من حرب أوكرانيا وحروب المنطقة والتقارب بين بعض الدول والتباعد بين دول أخرى، مرورا في أحداث المسجد الأقصى في القدس والغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية، وصولا إلى تسخين جبهة الجنوب اللبناني. مطلوب تهدئة هذه الجبهة ليستأنف لبنان برعاية دولية مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل، فيصبح بإمكانه استخراج النفط والغاز في محيط مسالم. إن أولويتنا هي تثبيت كيان لبنان وأمنه القومي ليتمكن من إجراء الاستحقاقات الدستورية من دون مفاجآت. إننا نجدد دعوتنا المواطنين إلى الاقتراع الكثيف لكي يستعيدوا مبادرة تقرير مصيرهم من الذين عبثوا بهذا المصير وعرضوا لبنان للانهيار وهويته للتزوير وتغاضوا عن وضع اليد على مؤسسات الدولة وقراراتها. إن الانتخابات تعطي لكل مواطن فرصة أن يترجم شعار أن الديمقراطية هي حكم الشعب من الشعب. واجب اللبنانيين أن يستفيدوا من هذا الاستحقاق ليقولوا للعالم أي لبنان يريدون، وليبلغوا الدول التي تتابع الشأن اللبناني أنهم يرفضون كل اقتراح لمشروع تسوية أو مساومة لا ينسجم مع حقيقة لبنان، ولا يحترم التضحيات التي قدمها الشعب اللبناني للحفاظ على استقلاله وحضارته وخصوصية وجوده هنا”.

وأضاف: “من الواضح أن غالبية اللبنانيين متمسكون بلبنان الحر الديموقراطي الحيادي، لبنان الشراكة الوطنية والميثاق، لبنان الهوية التاريخية والعدالة والمساواة، لبنان الجيش الواحد والمؤسسات الدستورية. ويريدون خصوصا لبنان الحياة والازدهار والاقتصاد الحر. في هذا السياق، إن التضحية بودائع الناس في المصارف ليست قدرا لا مفر منه. فهناك حلول علمية أخرى متوافرة وقادرة على التوفيق بين معالجة مديونية الدولة ومداخيلها من جهة، وبين الحفاظ على أموال المودعين من جهة أخرى. وأبرز هذه الحلول تعويم مرافئ الدولة الكبرى وتخصيصها بشكل يعيد قسما كبيرا من أموال المودعين على أن يتأمن القسم الآخر مع إعادة الدورة المالية والاقتصادية في المصارف والبلاد. إن هذه المرافئ تحولت منذ سنوات مصدر تمويل للقوى الحزبية والتنظيمات العسكرية على حساب خزينة الدولة. نعم، توجد حلول للمودعين إذا مزجنا المقترحات التقنية بأفكار خلاقة. لكن اللافت إن غالبية الحلول المطروحة لحل الأزمة الاقتصادية والمالية هي حلول بديلة عن الحل الأصيل، لأنها تنطلق من زاوية تقنية ضيقة وتتجاهل البعد السياسي وتتعامى عن الأمر الواقع الذي أوصل البلاد إلى هذا الإنهيار”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.