التغلغل الصهيوني في إفريقيا والأمن القومي العربي

فؤاد دبور
0

تجمع الوطن العربي والقارة الإفريقية روابط وثيقة جغرافيا وتاريخيا، فمن الناحية الجغرافية هناك عشر دول عربية افريقية (مصر، السودان، تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا، موريتانيا، جيبوتي، الصومال، جزر القمر)، حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من ربع سكان القارة، أما من الناحية التاريخية فالعلاقات العربية مع الدول الإفريقية قائمة منذ قديم الزمان من خلال التواصل والتفاعل الحضاري والإنساني والتجاري، وقد شكلت هذه العلاقة القاعدة الأساسية لمواقف العرب الداعمة للقضايا المتعلقة بالاستقلال الوطني لدول إفريقيا من السيطرة الاستعمارية الغربية، مثلما شكلت أيضا بناء موقف إفريقي داعم لقضايا العرب وبخاصة القضية الفلسطينية والصراع العربي – الصهيوني وتجسدت هذه المواقف في تأييد الدول الإفريقية للقضية الفلسطينية في الهيئات الدولية والمنظمات الإقليمية، وهذا ما جعل الصهاينة يتجهون نحو إفريقيا لفهم طبيعة هذه العلاقة وأسبابها والعمل المحموم للتأثير عليها، وقد تمثل الاهتمام الصهيوني عبر النشاط المكثف من اجل توطيد العلاقات الصهيونية مع الدول الإفريقية وتعميق التغلغل في هذه الدول عبر تقديم المساعدات المادية والاقتصادية والعسكرية وقد ساعدتهم الدول الاستعمارية الغربية على التغلغل في معظم دول القارة الإفريقية.

وازداد الاهتمام الصهيوني بالقارة الإفريقية بعد إقامة الكيان عام 1948 وفق إستراتيجية صهيونية وضعها ديفيد بن غوريون من اجل جلب اليهود من الدول الإفريقية إلى الكيان الصهيوني سواء من الأقطار العربية، مصر، ليبيا، الجزائر، تونس المغرب أو من غير العربية ويأتي في مقدمتها جنوب إفريقيا، وأثيوبيا، حيث يهود الفلاشا وكذلك من دولة كينيا وغيرها، وقد استهدف التغلغل الصهيوني في الدول الإفريقية إضافة إلى استحضار اليهود السيطرة على منافذ إستراتيجية هامة على البحر الأحمر ومنطقة البحيرات العظمى، ومنابع نهر النيل، مثلما استهدف السيطرة على دول القرن الإفريقي لتطويق الأقطار العربية الإفريقية مما يهدد امن هذه الأقطار وبالتالي الأمن القومي العربي، كما استهدف أيضا جني الأرباح الاقتصادية من الدول الإفريقية الغنية بالمعادن والثروات الطبيعية وبخاصة  نيجيريا الغنية بالنفط وهذا ما جعل العديد من المستثمرين الصهاينة يتواجدون في هذه الدول، وجعل قادة الكيان الصهيوني وحكوماته المتعاقبة وبدعم وشراكة من الإدارات الأمريكية يثيرون النزاعات والصراعات بين الأقطار العربية ودول الجوار الإفريقية من جهة والتدخل في الشؤون الداخلية للأقطار العربية الافريقية وخلق المشاكل والفتن وإشعال الصراعات بين أبناء القطر الواحد مثلما حصل بشكل أساسي في جنوب السودان حيث اسفر هذا التدخل عن انفصاله وفي مقاطعة دارفور حيث الصراع ما زال محتدما تغذيه القوى الصهيونية والامبريالية والاستعمارية الطامعة بثروات العرب من ناحية وإضعافهم من ناحية أخرى.

أما التحدي الأخطر للأمن القومي العربي فيتمثل في محاولات الصهاينة المتكررة تحريض الدول الشريكة لجمهورية مصر العربية والجمهورية السودانية في مياه النيل لإعادة النظر في الاتفاقيات الخاصة بتقاسم المياه بحيث يتم تخفيض  حصة كل من القطرين العربيين واسهمت محاولاتهم هذه في بناء سد النهضة لحجب اكبر كمية مياه عن مصر والسودان عبر تحريض خمس دول افريقية مهمة منها أثيوبيا، كينيا، وأوغندا والتي تقع في منطقة النيل. ولها تأثير كبير باتجاه الدفع على تقاسم مياهه، ويمكن من خلال هذه الدول أحكام طوق مائي على مصر والسودان مما يهدد فعليا امن هذين القطرين العربيين وبخاصة مصر التي تعتمد بشكل شبه تام على مياه النيل في حياة الشعب المصري، وقد عرض قادة الكيان الصهيوني على هذه الدول تقديم مساعدات وإقامة علاقات تعاون في كل المجالات معها ومع نيجيريا طمعا في ثرواتها النفطية، وهناك أهمية أخرى لعدد من هذه الدول، مثل أثيوبيا، التي تجاور أقطارا عربية كما تطل على مسارات السفن إلى ميناء العقبة على البحر الأحمر وقناة السويس. كما أن لهذه الدول وغيرها من الدول الإفريقية أهمية كبرى عند الصهاينة كونها تمتلك رصيدا مهما في المنظمات الدولية توظفه الحكومات الصهيونية لصالحها في حال استطاعت ربط هذه الدول بسياساتها طبعا إضافة إلى الانتشار العسكري والأمني وإقامة قواعد عسكرية في بعض هذه الدول  مثلما هو الحال مع أثيوبيا وغيرها من الدول الإفريقية حيث يتواجد الصهاينة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية إضافة إلى الأمنية، والتي توظفها حكومات الكيان الصهيوني من اجل تعزيز مركز هذا الكيان وتهميش مكانة الأقطار العربية ومن اجل الوصول إلى هذا الهدف قام الصهاينة ببذل جهود مكثفة لإضعاف تأثير العرب داخل الاتحاد الإفريقي، والعمل على وصول الكيان الصهيوني الى عضو مراقب في الاتحاد ويبدو ان هذا على طريق التحقق عبر تلبية احتياجات السوق الإفريقية من السلاح وتقديم الخبرات في المجالات العسكرية ومتابعة تدريب الجيوش الإفريقية وقادتها، وقد نجح الصهاينة في التواجد العسكري والأمني في منطقة القرن الإفريقي وخاصة في الجزر المشرفة على مضيق باب المندب الهام لاستكمال الطوق والحيلولة دون أن يصبح البحر الأحمر بحيرة عربية نظرا لامتداده سعوديا، ومصريا، ويمنيا وأردنيا (ميناء العقبة) وسودانيا.

ومن اجل الدفاع عن امن الأقطار العربية الإفريقية بشكل خاص وعن الأمن القومي العربي عموما. فلا بد من مواجهة التغلغل الصهيوني المعادي للأمة العربية وذلك عبر تفعيل وتوثيق الروابط الاقتصادية والسياسية بين الأقطار العربية الإفريقية والعربية الأخرى. وذلك عبر بلورة صيغة تحترم مستقبل العلاقات والمصالح بين الدول الإفريقية والعرب على ضوء محددات وأسس تعتمد على الروابط والعلاقات التاريخية والجغرافية التي تربط العرب بهذه الدول، وهذا يتم عبر توافر الإرادة السياسية المدركة لأهمية هذه القارة الحيوية القريبة من العرب والتي طالما أثبتت وقوفها إلى جانبهم ضد الصهاينة منذ استهداف الحركة الصهيونية لشعب فلسطين في أرضه ووطنه وقد ظهر الموقف الإفريقي الداعم والمناصر للعرب بشكل واضح اثر عدوان الخامس من حزيران عام 1967م حيث أقدمت عشرات الدول الإفريقية على قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني المعتدي، وقبل ذلك إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وما تلاها من بناء علاقات قوية معها أيام حكم عبد الناصر، ولم يستعد الكيان الصهيوني هذه العلاقات إلا بعد عام 1979م عندما وقعت الحكومة المصرية معاهدة كامب ديفيد مع العدو الصهيوني وأقامت علاقات دبلوماسية معه وطبعا كان للدور الأمريكي تأثيره الفعال في استعادة الكيان الصهيوني لهذه العلاقات وتوسيعها وانتشار الصهاينة في القارة الإفريقية. كما كان لما يسمى بالتطبيع لأنظمة عربية مع الكيان الصهيوني الدور المؤثر لوصول الكيان الصهيوني الى الاتحاد الافريقي.

ونؤكد على أهمية عودة أنظمة عربية الى رشدها ووعيها بالخطر الصهيوني لمواجهته افريقيا وإقليميا ودوليا.

الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي

الأردن/ فؤاد دبور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.