دائماً كنت أردّد أنني ولدت يوم قبولي طالباً في الأزهر الشريف، والذي نهلت من ينبوعه أكثر العلم النافع، وشربت منه حتى الثمالة، وأصبحت شيخاً من شيوخ الإسلام أشارك في الدعوة إليه في شتى أنحاء العالم، وكنت كلما ذهبت الى بلد في أوروبا او اميركا أجد هناك داعية وأكثر من علماء الأزهر يعلّمون الناس دينهم وأخلاقه، وينشرون الثقافة الإسلامية في العالم أجمع.
كنت أطوف في بلاد العالم وأنا أحمل هذه الرسالة الكبرى التي أخذتها عن أساتذتي في الأزهر. أدعو الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
العلم نور، والاسلام نور، والإيمان نور يدخل شغاف القلوب فيحييها، يقول الله عز وجل {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
أحببت مصر منذ أن كنت طالباً عاشقاً لكل شبر فيها، لأنها أم التاريخ والحضارة والثقافة والعلم.. والفضل لهذا البلد العظيم في ما وصلت اليه من مكانة علمية ودينية وإسلامية.
لقد كان من أساتذتي الكبار الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق، الصوفي المتخرج من جامعة السوربون في فرنسا، وعرفت صاحب العبقريات عباس محمود العقاد، وعرفت مصطفى صادق الرافعي في أحيائها الرائعة، وعشت مع قصائد أمير الشعراء أحمد شوقي، والتي كانت شرحاً عميقاً وجميلاً لمبادئ الاسلام الحنيف، والتي غنتها أم كلثوم، فوصلت الى عقول العامة والخاصة وقلوبهم، وعرفت أستاذ الدعاة العلامة الشيخ محمد متولي الشعراوي، والشيخ محمد الغزالي وخالد محمد خالد وأساطين الأدباء والكتّاب الذين قدموا للعالم معرفتهم بالإسلام، وملأوا الدنيا بهذه المعرفة.
هذه هي مصر، تاج على رؤوس العلماء والشعراء والأدباء في العالم العربي وخارجه.
لقد خدم هؤلاء الإسلام وقدموه في أجمل صورة، ولولا مصر لما عرف الإسلام دعاة كباراً مثل الدعاة في مصر.. والذين كنت أقرأ لهم وأتتلمذ على أيديهم، وما زلت حتى الآن طالباً ينشد العلم في كتبهم ودراساتهم.
علماء مصر أساتذة الأمة الإسلامية، أخلصوا لدينهم، ونشروه في جميع البلاد التي كانت تنشد معرفة الإسلام على حقيقته فأحبّوه.
طلبت من ولدي أن يخرج بي في نزهة يطوف في شوارع مصر وأحيائها الجديدة وطرقاتها الدولية الواسعة، وإذ بي أفاجأ بأن كثيراً من الأحياء والطرقات قد تغييرت تغييراً كاملاً وأصبحت صورة حضارية حديثة ومتطورة لأن جميع الطرقات أضحت واسعة وحديثة وجميلة تجمع بين الموروث القديم والحداثة الرائعة، إنها قفزة جبارة وعمل مدهش، ومصر الجديدة بكل معنى الحداثة التي تنشأ جعلتني لا أكاد أذكر شيئاً من الماضي، أن ترى مصر في حُلّة جديدة اختراع لا يخطر على بالي، أبنية تنطق بالروعة والجمال، وشوارع ممتدة على مدى النظر، بدأت أسأل ولدي أين نحن الآن، أنا إبن القاهرة منذ العام 1948 والتي عرفتها حياً حياً، ومنطقة منطقة، ما الذي يحدث وما هذه العقول الخلّاقة والذكية التي تبني مصر الجديدة.
هناك ثورة معمارية وفنية وجميلة جمالاً يأخذ بالعقول، فالذي كان أصبح في مجال النسيان، لأن الجديد طغى عليه طغياناً كبيرا .
مصر الحبيبة تنهض نهضة كبرى، تستحق الإعجاب والتقدير، وتذكرت أبياتاً من الشعر قالها عندما عاد من ديار الغربة الى لبنان إيليا أبو ماضي:
وطن النجوم أنا هنا حدق أتذكر من أنا
أنا ذلك الولد الذي دنياه كانت هاهنا
ومصر صانعة النجوم والعباقرة والشعراء الكبار والأدباء، مصر الحبيبة إلى قلبي، هي وأهلها وشعبها الرائع في نكاته ومرحه، والذي يفلسف الأمور بعيون عبقرية، مصر تبني نفسها من جديد كأروع ما يكون البناء والحضارة وتجدد تاريخها العريق.
بلدي لبنان تدمّره مجموعة من الحكام الأغبياء واللصوص الذين سرقوه وسرقوا تاريخه وحضارته، وهنا، في مصر العظيمة، تزداد عظمة على عظمة، ويقود شعبها فارس مغوار وعبقري جديد هو الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يصنع المعجزة.
هكذا يكون حب الأوطان، وهكذا أصحاب التاريخ الكبير الذي ساهم في بناء الحضارة منذ القدم، يعود ليصنع مصر الخلّاقة بكل الحب والإيمان والأخلاص للوطن.
تحية كبرى لباني مصر الجديدة والعظيمة، تحية من القلب أضعها على كل آية من آيات الإبداع رأيتها في مصر، تحيا مصر.
*الدكتور محمد علي الجوزو
مفتي جبل لبنان*