تشويه متعمد.. يسرقون من الأطفال براءتهم

المستشارة الدكتورة سلوى شعبان
0

تطالعنا منذ فترة قصيرة صور مختلفة أبطالها أطفال صغار شبه عراة بملامح شرق آسيوية وبأوزان كبيرة لا تماشي الوزن الطبيعي للطفل الطبيعي.. فيها قصص تحمل عنواناً عريضاً واحداً وهو: سرقة السعادة..

الصورة أبلغ إنباءً

طبعاً للوهلة الاولى جميعنا استسغنا وابتسمنا لمنظر الطفل الهارب من جدته وهو يحمل طبقاً من الأرز أو البطاطا المقلية والجدة تحمل مكنسة قش بهدف ضرب هذا الطفل وتخليصه سرقته!!! وشعرنا بالبهجة ورجعنا لشقاوة عشناها بين الحين والآخر في سنين مضت من حياتنا أو قد نرى طفلاً يحمل مجموعة أسماك حصل عليها أو بالأحرى سرقها هارباً ممن اصطادها…. وفي كلتا الحالتين هناك فعل سيء هو السرقة والتعدي من قبل الطفل.. والضرب والصراخ والعنف من قبل الأهل او الجدة والتي دوماً حفظنا وعرفنا أنها الأحن والأطيب قلباً على الطفل بعد أمه او أكثر منها حباً.. وإليها يلجأ الطفل إذا أخطأ أمام أمه..

القضية قد تبدو للوهلة الاولى تسلية ومتعة.. لكنها خطر وخطر كبير من قبل جهات مجهولة المصدر.. تروج لأفكار وأفعال سلبية غير مؤدبة تتنافى مع التربية الحسنة والأدبيات الأخلاقية وتخفي وراءها الأفظع والمخيف و تستهدف مكانة الطفولة وقدسيتها وبراءتها المميزة.. والعبارة كما قلنا اسرق سعادتك؟!!.. السؤال الواضح المزعج: ما هي السعادة كما يروجون؟؟.. وكيف تكون؟؟؟ وهل هي تتحقق بسرقة طعام؟؟ أو سرقة تعب الآخرين أو الإستهزاء من الغير والتنمر والسخرية من أوزانهم الكبيرة؟؟

ولربما أصبح ذلك سلوكاً عادياً طبيعياً راسخاً ضمن مجموعة سلوكيات يقوم بها الطفل.. وسلوكيات تقع عليه؛ ولن ننسى ما نراه ونتابعه من سوءٍ في استخدام عالم الانترنيت وكيفية تأثيره المدمر من العاب تدعو للدم والقتل وتشويه فكر الطفل والمراهق وإبدال القيم والأخلاق بأفعال مشينة فيها الإستهتار والتسيب والعنف وتقليد كل ذلك.. وهذه الصور والتي انتشرت تزامناً مع أحداث المنطقة بما تحمله من أفكار لاتقل خطورة عما سبقها من ألعاب وفيديوهات وإعلانات تستهدف تدمير أجيال وأجيال وتدعو لعدم الاهتمام بالقضية الأكبر وماينشر عن الاحداث الجارية..

الجواب الأوحد.. أن السعادة تُعاش بالقناعة والطيبة والتربية السوية والهدوء والأمان.. تعاش بما يقدم للطفل من لقمة حلال من تعب وكدح الأهل مغموسة بالكرامة والايمان والشرف والعزة..

لذلك نحن مسؤولون أمام أنفسنا والمجتمع.. وأمام أطفالنا وأولادنا لأننا جهة الدفاع الاولى عنهم والضمان والامان ضمن بيئة أسرية آمنة ومستقرة.. تعطيهم وتربيهم وتصقل مهاراتهم وعقولهم وتزكي أخلاقهم بالتربية الصالحة والمبادىء المستقيمة والكلمة الطيبة واللمسة الحانية والدافئة وتصنع منهم نماذج مبهرة قوية.. فلننتبه لما نشارك وننشر.

نحن أمام تحد عالمي حقيقي وسط ظروف قاهرة أصابت منطقتنا العربية منذ زمن بعيد وخصوصاً مايحصل في فلسطين العروبة وغزة الجريحة ..وكأن ماشاهدناه عن آلاف وآلاف من الشهداء الأطفال في غزة ممن ارتقوا للعلياء في المشافي والأحياء السكنية وممن كانوا تحت الأنقاض وكيف نهضوا من الموت ليثبتوا أن هكذا جيل لن يموت ولو استشهد أعداد كبيرة منهم. تلك الصور التي تعلم الحياة والصمود ومحبة تراب الوطن والاستبسال في الدفاع عنه هي الراسخة والباقية وهي المدرسة التي تعلم البشرية كيف نربي أجيالاً من الاطفال؟.

مطلوب منا القوة والحزم والانتباه والتوعية.. لأننا أمام رهانات كبرى فلنصون الأمانة ونحفظ الرسالة الإنسانية، فكل ما يروج مدروس وممنهج لحرف البوصلة وتشتيت الحقيقة ولفت الانتباه للسخف والهزلية وتمييع ما حرصنا على إيصاله سليماً من عقيدة وفكر وأخلاق ورثناه عن أهالينا وأجدادنا من شهامة وكرم وطيب وشجاعة وخلق حسن.. ورفض لكل ما يمكنه تدنيس هذا الموروث الثمين..

سورية

الدكتورة سلوى شعبان

مستشار إعلامية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.