العلّامة فضل الله في “عاشوراء”: تشظّي العالمين العربي والإسلامي يفقدهما إمكان العودة لدورهما الطبيعي في لعبة الأمم

النظام الطائفي كرّس زعامات قوننت الفساد وجعلت لبنان رهينة صندوق النقد والمساعدات

العلّامة السيد علي فضل الله يتحدث في يوم "عاشوراء"
0

إستغرب العلّامة السيد علي فضل الله أن تبقى الحكومة أسيرة المحاصصات حول من له الحظوة في هذه الوزارة السيادية أو تلك الوزارة الخدماتية، معتبراً ان مأساة لبنان بفعل النظام الطائفي الذي كرّس زعامات قوننت الفساد ومنطق تقاسم الجبنة الذي أوصل الشعب اللبناني إلى آخر سلم الفقراء في العالم ودعا الشعب اللبناني أن لا يتوقف عن رفع الصوت عالياً ويمارس الضغوط بكل الوسائل لعلّ ضمائر السياسيين تستيقظ ويتحلّوا بشيء من المسؤولية.

وحذر فضل الله من محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني وإدخاله إلى الجسم العربي والإسلامي، مؤيداً اية مبادرات إيجابية بين الدول العربية والإسلامية وأمل أن تتواصل حتى تؤتي أُكلها.

إحياء يوم العاشر من محرّم “عاشوراء” في قاعة الزهراء بمجمّع الإمامين الحسنين – حارة حريك

كلام فضل الله كان بعد تلاوة مصرع الإمام الحسين(ع) خلال إحياء يوم العاشر من محرّم “عاشوراء” في قاعة الزهراء (ع) بمجمّع الإمامين الحسنين (ع)، حارة حريك، حيث ألقى خطبة استهلها بحلول الذكرى هذا العام: والعالم العربي والإسلامي يفتقر إلى أدنى مقومات السلام الداخلي والوحدة الوطنية، وحيث التشظي السياسي والمذهبي والطائفي هو ما يُفقدها إمكانية النهوض والعودة لدورها الطبيعي في لعبة الأمم بعد أن باتت العنصر المنفعل وليست العنصر الفاعل فيها على مختلف المستويات، ففي داخل الكثير من هذه البلدان تغيب مقومات الحياة الأساسية ومستلزمات العيش الكريم وتختفي آليات الاستقرار الداخلي، وبدلاً من أن يتعاون بعضها البعض ويؤزر بعضهم أزر البعض، ويكونوا كما أرادهم الله كالبنيان المرصوص وكالجسد الواحد بعيداً عن الصراعات والفتن والانقسامات فيما بينهم.. وإن هذا ما نرى تداعياته في اليمن والعراق وسوريا وأفغانستان، وتونس وليبيا، وصولاً إلى لبنان…”.

أضاف: “ومع الأسف بتنا نرى في هذا العالم من يستجدي التطبيع مع العدو الصهيوني من اجل أن يكسب رضا الدول الكبرى، أو يستقوي بها على الآخرين من دون ان يعي مخاطر إدخال هذا الكيان على واقعنا والرضوخ لسياساته والذي لم يغيّر ولم يبدل من استراتيجيته في هذه المنطقة في الإمساك بمفاصلها والسيطرة عليها..”.

وقال: “إننا أمام هذا الواقع، نعيد دعوة كل هذا العالم إلى أن يعوا حجم الاستهداف الذي يتعرضون له، وأن لا خيار لهم للخروج من هذا الواقع المتردي إلا بتعزيز لغة الوحدة والحوار والقواسم المشتركة بين طوائفهم ومذاهبهم ومواقعهم السياسية وبين دولهم، وأن يعود غنيهم على فقيرهم ومن له القوة على من لا يملكها.. وإلا سيكون لقمة سائغة في أيدي الذين لا يريدون لهذا العالم أن يقوى ويمسك بقراره، وأن يكون له حضوره في هذا العالم على كل الصعد.. إن على كل من في هذا العالم أن لا ينتظر أن يأتي من يأخذ بيدهم إلى الحوار الداخلي أو الحوار بين دوله، بل عليه أن يبادر، وإن أخذوهم سيأخذوهم إلى حيث يريدون وفي الوقت الذي يريدون.. ونحن هنا نؤيد أية مبادرات إيجابية وندعو أن تتواصل حتى تؤتي أُكلها..”.

وتابع: “إننا نرى أن أول من يدفع ثمن الانقسامات والتداعيات في الواقع العربي والإسلامي هو الشعب الفلسطيني وقضيته التي تمر في هذه الأيام بمرحلة هي الأشد المراحل صعوبة، حيث يستغل العدو الصهيوني حالة الضعف العربي والإسلامي وإدارة الظهر للقضية الفلسطينية من غالب هذه الدول، لممارسة مشروعه التهويدي للقدس ولكل فلسطين، ويعمل على تيئيس الشعب الفلسطيني من الخيار الذي أخذه بمقاومة هذا العدو وامتلاك سياسة الردع تجاهه.. ما يستدعي وقفة عربية إسلامية حقيقية إلى جانب الشعب الفلسطيني الذي عبر ولا يزال عن أعلى معاني العزة والكرامة والاستمرار في الصمود في كربلائه المستمرة والتي لم يتوانى فيها عن دفع الغالي والرخيص دفاعاً عن أرضه ومقدساته..”.

وفي حديثه: “أما لبنان فهو لا يخرج من مأساة حتى يدخل في أخرى، بفعل النظام الطائفي الذي كرّس زعامات قوننت الفساد وأبت أن تغادر عقلية المحاصصة وتقاسم الجبنة والذي أوصل الشعب اللبناني إلى آخر سلم الفقراء في العالم، وجعل هذا البلد رهينة صندوق النقد  الدولي وأسير المساعدات الخارجية التي لن تأتِ بالمجان، بل هي دائماً خاضعة لحسابات سياسية…

لقد آن الأوان للمسؤولين أن يستفيقوا من تحت وطأة الضغوط الكبرى التي تضغط على الناس في الجوع والموت وفقدان كل أسس الحياة الرئيسية من الطاقة والدواء والغذاء وصولاً إلى المآسي الميدانية التي نخشى ألا تكون عكار محطتها الأخيرة.. في الوقت الذي نريد للشعب أن لا يتوقف عن رفع الصوت عالياً ويمارس الضغوط بكل الوسائل لعلّ ضمائر السياسيين الذين يعيشون في الأبراج العالية، تستيقظ ويتحلّوا بشيء من المسؤولية والجرأة لتأليف الحكومة التي يعرف الجميع أنها لن تحل مشاكل البلد، ولكنها يمكن أن تضع الأسس لبداية الخروج من هذا النفق، وتقطع الطريق على كل من يريد أن يمس سيادة لبنان في وحدته وحريته واستقلاله”..

واعتبر: “إن من المعيب أن تبقى الحكومة أسيرة المحاصصات حول من له الحظوة في هذه الوزارة السيادية أو الوزارة الخدماتية، لا ليخدم البلد بل لتؤمن له مستقبلاً سياسياً أو دوراً في المرحلة القادمة، أو سلماً يصل به إلى سدة المجلس النيابي، فيما البلد يحترق ويعاني إنسانه على محطات المحروقات وفي سعيه للحصول على الدواء والكهرباء والماء وحاجاته وحاجات أولاده..

لقد أظهر ما رأيناه على صعيد كشف تخزين المحروقات عن مدى الترهل الذي يعيشه البلد على الصعيد الإنساني والأخلاقي والانحدار على المستوى السياسي مما يستدعي استنفار كل القوى الفاعلة والقوى الأمنية لممارسة مسؤولياتها والعمل معاً في مواجهة هذا الواقع وتداعياته الخطيرة على مستوى الوطن ومستقبله..

إننا نأمل أن يعي المسؤولون خطورة إدارة الظهر لمصالح الشعب ولمعاناته حتى يتقوا غضبه وانفجاره ولا يدعونه يخرج شاهراً سيفه عليهم….

إن عاشوراء تتطلب منا الارتفاع إلى مستوى المسؤولية الدينية والشرعية والإنسانية، وأن نكون على مستوى مواجهة ما يخطط لهذا الوطن من المتربصين به من الداخل والخارج، ولن ننجح في ذلك إلا بالصبر والحكمة والإيثار والتكافل والوحدة الداخلية، وبوعي من الجميع أن الكارثة إن وقعت فلن توفر أحداً ولن ينجو منها أحد..”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.